Russia’s Foreign Policy towards South Yemen: Past, Present and Future Perspectives

المحاضرة على اليوتيوب/ On YouTube

الجزء الأول/ Part 1

الجزء الثاني/  Part 2

برلين

نَظّم منتدى محمد علي لقمان للدراسات – أوروبا يوم أمس محاضرة علمية في العاصمة الألمانية برلين تحت عنوان “السياسة الخارجية الروسية تجاه جنوب اليمن: الماضي، الحاضر، والآفاق المستقبلية”. هدفت المحاضرة إلى قراءة واستعراض ثلاث محاور رئيسية: العلاقات الوطيدة بين الاتحاد السوفيتي وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الماضي، مبادرات الوساطة الدبلوماسية التي تقوم بها روسيا في الوقت الراهن، وموقف إدارة موسكو من التطلعات الحالية لنيل الاستقلال في جنوب اليمن. كان المتحدثان الرسميان في هذه الندوة كلٍ من الدكتور نويل برهوني (Noel Brehony) رئيس الجمعية البريطانية-اليمنية والخبير في الشأن اليمني، وجنوب اليمن تحديداً، والذي صدرت له عدّة كتب في هذا الشأن، فضلا عن عضويته في عدد من المراكز والمنظمات البحثية التي تُعنى بدراسة قضايا الشرق الأوسط، وأما الضيف الثاني فكان صامويل رماني (Samuel Ramani) المرشح لنيل درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من كلية سانت أنتوني، جامعة أكسفورد، وهو خبير في العلاقات الروسية مع الشرق الأوسط، ويكتب بشكلٍ دوري لصالح مراكز بحثية عالمية كمركز كارنيجي، ومعهد الشرق والغرب، والمجلس الروسي للشئون الدولية، فضلا عن مساهماته في عدد من وسائل الإعلام العالمية كالواشنطن بوست، والسي إن إن، ورويترز.

في الجزء الأول من المحاضرة، قدّم الدكتور نويل برهوني صاحب كتاب “اليمن المُقسم: قصة الدولة الفاشلة في العربية الجنوبية” قراءة شاملة عن تاريخ وطبيعة وأبعاد العلاقة التي ربطت بين الاتحاد السوفيتي وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الفترة من 1967 إلى قيام الوحدة اليمنية في العام 1990. وقد أشار برهوني إلى أنه وعلى الرغم من عدم وجود أدلة كثيرة على وجود تواصل مع اليمن الجنوبي قبل الاستقلال عن الاستعمار البريطاني في العام 1967، فضلا عن التحفظات حول قيادات النظام – غير المعروفين – بعد الاستقلال، إلا أن موسكو رأت الفرصة سانحة في ذلك الوقت للتحرك سريعاً في اتجاه إقامة علاقات وطيدة مع قادة النظام في الدولة الوليدة. وبحسب برهوني، فقد كانت هناك عدّة مجالات تمحورت حولها هذه العلاقة كالدعم الاقتصادي: فعلى الرغم من عدم وجود دعم مالي مباشر، إلا أن المساعدات الاقتصادية السوفيتية تمثلت في إقامة مجموعة واسعة من المشاريع في قطاع الزراعة والصيد ومحطات الكهرباء ومشاريع تخزين المياه، وإرسال الخبراء، والمساعدة في التخطيط والإدارة، ومنح التأهيل والتدريب، وقد تركز الدعم الأكبر في الجوانب العسكرية والمعدات، وفي الجهة المقابلة ساد استياء في جمهورية اليمن الديمقراطية من استغلال السوفييت للثروات السمكية، والمماطلة في عمليات التنقيب عن الثروات النفطية التي كانت تشرف على استكشافها الشركات الروسية فقط، والتباطؤ في تسليم المحطات الكهربائية. بينما تمثلت التسهيلات الاستراتيجية التي حصلت عليها موسكو من عدن في التعامل مع التنافس الاستراتيجي مع الولايات المتحدة خصوصاً بعد خسارة حلفائهم في مصر والصومال منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي، استخدام الأراضي الجنوبية كنقطة انطلاق لطائرات الاستطلاع، والنقل الجوي للجنود الروس خصوصاً أثناء المشاركة في أحداث القرن الأفريقي، فضلا عن تزويد الأساطيل الروسية البحرية في المحيط الهندي بالوقود والماء وتبديل الطواقم، وكمركز مهم للاتصالات البحرية.

في نهاية ورقته، تطرق الدكتور نويل برهوني إلى الدور الذي لعبه الاتحاد السوفيتي في الصراع الدامي بين قيادات نظام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، فقد تدخل في تحديد أدوار الحزب الحاكم، الرئاسة والحكومة، وترجيح كفة الطرف الغالب والمهيمن، ورسم طبيعة السياسات الاقتصادية، وشكل العلاقة مع الجمهورية العربية اليمنية وقضية الوحدة، والعلاقة مع دول الخليج. على أنه في نهاية عقد الثمانينيات شهدت هذه العلاقة تغييرات كبيرة، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط جدار برلين والدخول في وحدة مع النظام الحاكم في صنعاء،

في الجزء الثاني من المحاضرة، تحدث صامويل راماني عن أهداف الاستراتيجية الروسية الراهنة، وتطلعاتها المستقبلية، وقد جاءت ورقته تحت عنوان “العودة الروسية إلى جنوب اليمن: دعم مطالب الانفصال أم صراع النفوذ على البحر الأحمر؟”. وقد وجد راماني أن هناك تناقضاً كبيراً بين محاولات روسيا الأخيرة لإحياء العلاقة مع أطراف فاعلة في جنوب اليمن بالنظر إلى عدم اهتمامها بالقضية الجنوبية منذ قيام الوحدة اليمنية في العام 1990، وتعود أسباب عدم الاهتمام الروسي بالجنوب اليمني في السابق إلى ثلاث مسائل: علاقتها الوثيقة مع علي عبدالله صالح، عدم مبالاة السعودية بالجنوب اليمني منذ حرب 1994، وعدم الاهتمام بالملف اليمني في الدوائر الدبلوماسية الروسية بشكلٍ عام. لكن في السنوات الأخيرة تغيّرت الاستراتيجية الروسية، وقد أعرب مسئولون روس في أكثر من مناسبة عن رغبتهم في إقامة قاعدة عسكرية بالقرب من باب المندب؛ هذا التطلع الذي فتح الباب أمام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح لتوطيد علاقته بموسكو، ولأجل ذلك منحته اهتماما خاصا، فابقت على سفارتها في صنعاء، وابدت استعدادها للتوسط بينه وبين السعودية، كما أرسلت له مسعفين أثناء تعرضه لوعكة صحية في العام 2017، بحسب الباحث المتخصص في العلاقات الروسية مع الشرق الأوسط.

وبالنسبة للقضية الجنوبية وسُبل حلها، يرى صامويل راماني أن الرؤية الروسية من خلال قراءة خطاباتها ومصالحها الاستراتيجية تؤشر على نية موسكو في دعم مطالب المجلس الانتقالي بإدراجه في محادثات السلام اليمنية، لكنها في نفس الوقت متوجسة من دعم مطالب استقلال جنوب اليمن، على أن هذه التوجسات قد تتغير في المستقبل، وكمفارقة تبدو دوافع روسيا من وراء دعم فكرة إشراك المجلس الانتقالي في محادثات السلام في الوقت الراهن بمثابة وضع قيود على الاعتراف بالاستقلال. ويُحدد الباحث ثلاث غايات رئيسية تطمح موسكو إلى تحقيقها من خلال الاهتمام المفاجئ في جنوب اليمن والانفتاح على المجلس الانتقالي، أحد أهم الفاعلين في الساحة الجنوبية، هي كالتالي: توسيع نفوذها الجيوسياسي في منطقة البحر الأحمر الاستراتيجية وترى أن علاقتها بالمجلس الانتقالي سوف تساعدها على ذلك، وعن طريق ذلك تعزيز علاقتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وأخيراً انسجاماً مع مقاربتها الشاملة التي تأتي في إطار سياسة المشاركة الدولية في الأزمة اليمنية، على أن نخبة المجلس الانتقالي مطالبون بانتهاج سياسية خارجية أكثر استقلالية. ومن خلال ذلك يخلص راماني إلى القول بأن روسيا لن تؤيد انفصال جنوب اليمن خصوصا على المدى القصير، لعدّة أسباب: رؤيتها المختلفة لكيفية استقرار اليمن، تجنب ردود أفعال قوية من شركاءها الإقليميين، عدم الخروج عن موقف روسيا الرسمي في دعم الحركات الانفصالية، لكن الباحث يعتقد أن روسيا قد تدعم إجراء عملية استفتاء على قضية الجنوب في المستقبل بعد توقف الحرب واستقرار الأوضاع في اليمن بما يكفي لمعالجة قضية الجنوب.

تأتي هذه الندوة التي حضرها نخبة من الباحثين والمهتمين ضمن الأنشطة التي ينظمها منتدى “محمد علي لقمان للدراسات- أوروبا”، وهو منتدى تأسس في شهر إبريل من العام 2018 في برلين ويهدف المنتدى إلى العمل على إنجاز ومراكمة معرفة أكاديمية تسد النقص القائم في المادة العلمية عن جنوب اليمن، وتسليط الضوء على جوانب من قضاياه التاريخية والاجتماعية والسياسية والأدبية.