الحرب في اليمن: التفكك وإعادة توطيد هياكل السلطات المحلية

الكاتبة: آنا-ليندا أميرة أوجستين 

(المصدر الأصلي للمقال)

ترجمة خاصة

كثيرا ما تتناول وسائل الإعلام الغربية الحرب في اليمن بطريقة مفرطة في التبسيط دون تسليط الضوء على تاريخها المعقد. فغالباً ما يُصوّر الصراع على أنه حرب بين السنة والشيعة، بين التحالف العسكري بقيادة السعودية والإمارات من جهة وإيران من جهة أخرى. في هذا الصدد، كثيراً ما يتم وصف الأطراف الفاعلة اليمنية على أنها مجرد دُمى للقوى الخارجية التي توفر الحماية لها. منظور آخر، شائع وبالغ التبسيط، يَصِف الحرب على أنها صراع بين المتمردين الحوثيين وحكومة الرئيس هادي المعترف بها دوليًا والتي تم طردها من صنعاء عن طريق انقلاب عسكري. هذه الصورة تُكرسها مفاوضات السلام الأخيرة التي جرت في ستوكهولم في ديسمبر 2018 برعاية الأمم المتحدة، حيث كان هذان الطرفان هم الوحيدان اللذان سُمح لهما بالمشاركة. ومع ذلك، فإن الوضع على الأرض في اليمن أكثر تعقيدًا إلى حد كبير، ويشمل عدد من القوى الفاعلة الأخرى التي كان لها تأثير مهم على مسار الحرب واستمرارها، كما يُمكنها المساهمة في إنهائها. تركز المقالة التالية التي أعدتها آن ليندا أميرة أوجستين على مختلف الأطراف السياسية والعسكرية المشاركة في الأزمة اليمنية، حيث ستُقدم نظرة عامة عن القضايا الرئيسية التي أدت إلى الحرب، مستعرضة حالة التفكك الجارية التي تمر بها البلاد منذ العام 2015.

المظالم القديمة واندلاع الحرب في 2015

كان ما يسمى بـ”الربيع العربي” عام 2011 تتويجا للسخط الذي يشعر به جزء كبير من الشعب اليمني، بسبب دكتاتورية دامت لعقود، واقتصاد فاشل، وفساد وقمع تحت نظام علي عبد الله صالح. في عام 2011، قادت مبادرة مجلس التعاون الخليجي عملية انتقالية أنهت حكم صالح التي استمرت 33 عامًا ومنحته الحصانة. اعتاد نظام صالح على استخدام القمع ضد خصومه السياسيين، ومع تصاعد النزاعات في جميع أنحاء البلاد في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان رد فعله وحشياً على المعارضة، وعلى وجه الخصوص ضد الحوثيين والحراك السلمي الجنوبي.

أشعل علي عبدالله صالح خلال العقد الأول من القرن الحالي ست حروب ضد الحوثيين، الذين يطلقون على أنفسهم “أنصار الله”. كانت جماعة “الشباب المؤمن”، التي تأسست عام 1992، هي نواة هذه الحركة، وكان هدفها الرئيسي تعزيز العقيدة الزيدية داخل منطقة صعدة[1]. لعقود من الزمن، استبعدت حكومة صالح المركزية الحوثيين من العملية السياسية، كما استبعدت منطقتهم الأصلية -محافظة صعدة -من تدابير التنمية الاقتصادية، مما دفعهم إلى التنديد بممارسات الفساد للحكومة المركزية. بالإضافة إلى ذلك، شعر الحوثيون، ومعظمهم ينتمون إلى المذهب الزيدي، بأن تقاليدهم وهويتهم تتعرض للقمع، وأن الحكومة المركزية تعمل على قمع ممنهج لعقيدتهم الدينية. وقد ساهم بناء مجمع وهابي تعليمي في دماج بصعدة تم تمويله من قِبل السعودية في تفاقم الأمور. لقد ندد الحوثيون أيضاً بالنفوذ الأجنبي في اليمن، وخاصة التعاون بين الحكومة اليمنية والولايات المتحدة تحت يافطة الحرب على الإرهاب.

كانت الأطراف الفاعلة في جنوب البلاد ثاني المجموعات المهمشة والمضطهدة بشدة تحت حكم نظام صالح، ولا سيّما الحراك الجنوبي، وقد صاحب انطلاق أولى احتجاجاتهم (السلمية) في العام 2007 ضجة واسعة. لم تظهر “الجمهورية اليمنية” إلى الوجود إلا منذ توحيد اليمن في 22 مايو 1990. قبل ذلك التاريخ، كانت هناك الجمهورية العربية اليمنية (المعروفة أيضًا باسم “اليمن الشمالي”) والتي نشأت على أنقاض المملكة المتوكلية الهاشمية في العام 1962، وقادها الرئيس علي عبد الله صالح منذ العام 1978. لاحقاً توحدت هذه الدولة مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ذات التوجه الماركسي (والمعروفة أيضًا باسم اليمن الجنوبي)، وتأسست هي الأخرى في العام 1967 من اتحاد ومحميات الجنوب العربي التي خضعت للحكم الاستعماري البريطاني لمدة 129 عامًا. بعد أربع سنوات فقط من توحيد اليمن، اندلعت الحرب بين وحدات الجيش في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وجيش الجمهورية العربية اليمنية، والتي لم تكن قد دُمجِت بعد. وعقب خسارة الطرف الممثل لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية للحرب، فَقَد الآلاف من اليمنيين الجنوبيين وظائفهم في الجيش والقطاع العام واُجبروا على التقاعد. استولى أناس مقربون من نظام صالح على الأراضي في جنوب اليمن وسيطروا على قطاعات انتاج النفط (80 في المائة من نفط اليمن يأتي من جنوب اليمن). في العام 2007، شكّل أولئك الذين أجبروا على التقاعد نواة الحراك الجنوبي. وقد بات يُشار إلى المظالم في جنوب اليمن وما نتج عنها من مطالبات بقيام دولة يمنية جنوبية مستقلة كما كانت موجودة قبل العام 1990 بـ”القضية الجنوبية”.

لقد أٌوليت القضية الجنوبية وقضية صعدة اهتماماً خاصاً من قبل مجموعات العمل المعنية في مؤتمر الحوار الوطني والذي عقد بين الفترة من 2013 وأوائل 2014 في صنعاء. كان مؤتمر الحوار الوطني جزءاً من العملية الانتقالية التي نتجت عن مبادرة مجلس التعاون الخليجي ونصّت على نهاية حكم صالح وانتخاب رئيس جديد لقيادة المرحلة الانتقالية في اليمن. لقد كان اليمني الجنوبي عبد ربه منصور هادي، نائب رئيس صالح منذ عام 1994، المرشح الوحيد الذي سُمح له بالمشاركة في الانتخابات، وهي الانتخابات التي قوبلت بمقاطعة واسعة من قِبل الجنوبيين.

كان أحد الموضوعات الأساسية خلال مؤتمر الحوار الوطني هو طرح نموذج الدولة الفيدرالية التي تهدف إلى منح المزيد من الاستقلال الذاتي للمناطق والتخلي عن نظام الدولة المركزية. كانت مهمة تحقيق توافق في الآراء بشأن كيفية تقسيم البلاد من قِبل مؤتمر الحوار الوطني أشبه بالمهمة المستحيلة. ولأجل تفادي ذلك، قام الرئيس هادي بتشكيل لجنة تتألف من أشخاص مقربين منه وسمح لها باتخاذ القرار. وبوقتٍ قياسيٍّ جداً، قررت اللجنة تقسيم الدولة إلى ست أقاليم اتحادية، أربع مناطق لما كان يُعرف بـ “اليمن الشمالي” واقليمين لما كان يُعرف بـ”اليمن الجنوبي”. قوبل قرار تقسيم جنوب اليمن إلى اقليمين بمعارضة قوية من قِبل أنصار الحراك الجنوبي، اللذين لم يشارك ممثلوهم في مؤتمر الحوار الوطني على الرغم من أنه تم تخصيص نسبة 50% من قوام المؤتمر للجنوبيين، وتم تخصيص لجنة خاصة للقضية الجنوبية. لقد تقرر، حتى قبل بدء المحادثات حول مبادرة مجلس التعاون الخليجي، أن أي نتائج لمؤتمر الحوار الوطني يجب أن تحافظ على وحدة الجمهورية اليمنية، وكان هذا سبباً لاستبعادهم. ساورت الكثيرون شكوكاً حول أن تقسيم اليمن الجنوبي إلى منطقتين يأتي أيضًا في سياق محاولة لإضعاف الجنوب ومساعيه نحو استعادة سيادته. رد الحراك الجنوبي على قرار التقسيم بمظاهرات شعبية في عدن، وهي مدينة ساحلية يمنية جنوبية والعاصمة السابقة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. كما شكك الحوثيون في النية من طريقة التقسيم لأن الإقليم الذي كان سيضم محافظة صعدة لن يتوفر له أي منفذ مضمون إلى البحر، ولهذا قاموا بحملات قوية – ضد القرار -أثناء مؤتمر الحوار الوطني.

اختتم المؤتمر أعماله دون التوصل إلى توافق بخصوص إعادة هيكلة البلد. ومع تفاقم الوضع الاقتصادي بين شهري فبراير وسبتمبر 2014، استمرت عمليات القتل والاعتداءات في تشكيل نمط الحياة اليومية، وظلت إمكانية تنفيذ نتائج مؤتمر الحوار الوطني مُعلّقة، فازداد السخط بين الناس. كان الحوثيون قادرين على الاستفادة من الوضع وإظهار أنفسهم كقوة ثورية ضد حكومة هادي التي تُعتبر حكومة فاسدة. بمساعدة أسوأ عدو سابق لهم، الرئيس السابق صالح -الذي تمكن من البقاء في البلاد بفضل الحصانة التي مُنِحت له، تقدم الحوثيون بسرعة نحو صنعاء من الشمال. في سبتمبر 2014، استولوا على العاصمة، وفرضوا ضغوطاً على الرئيس هادي وحكومته، وفي النهاية تم وضع هادي تحت الإقامة الجبرية واُجْبِر على تقديم الاستقالة. وعلى الرغم من ذلك، تمكن هادي من الفرار إلى عدن، وهناك تراجع عن الاستقالة. الحوثيون والقوات المولية لصالح تحركت بعده باتجاه الجنوب، فهرب عندئذ إلى السعودية. وقتها، استولى الحوثيون على العند، أكبر قاعدة جوية وموقع عسكري في البلاد، ويقع في محافظة لحج جنوب اليمن، واستمروا بعد ذلك بالزحف نحو مدينة عدن والمناطق المحيطة بها، حيث جرت أشد المعارك في حرب اليمن حتى منتصف العام 2015. بعد أن لجأ هادي إلى المملكة العربية السعودية طلباً للمساعدة، تدخل التحالف العسكري بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة في الحرب، وقصف المدن اليمنية والمنشآت العسكرية المهمة. كان الهدف الرسمي للتدخل هو توفير الحماية لحكومة هادي وإعادتها إلى العاصمة صنعاء، وهذا يعني، إعادة تحقيق استقرار الدولة اليمنية وحمايتها من الحوثيين. لقد باءت النتائج والمطالب التي انبثقت عن مؤتمر الحوار الوطني بالفشل على الأقل منذ بداية الحرب في العام 2015.

مقاومة زحف قوات الحوثي / صالح تجاه مناطق جنوب اليمن تطورت بسرعة كبيرة جداً. وبالنظر إلى أن الجيش اليمني الجنوبي كان قد تم حلّه بعد حرب 1994، برزت مليشيات شكّلها مواطنون من أعضاء وأنصار الحراك الجنوبي وقاتلت كمقاومة جنوبية، فضلا عن تجنيد معارضي الحوثيين، مثل الجماعات السلفية، في المقاومة. ارتكبت قوات الحوثي / صالح انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في عدن والمناطق المحيطة بها حتى تم تحرير المدينة في يوليو 2015 من قبل المقاومة الجنوبية، وبدعم من التحالف العربي، بما في ذلك القوات البرية الإماراتية. ومنذ ذلك الحين، بقيت خطوط المواجهة الأمامية ثابتةً في المناطق الوسطى في اليمن، لا سيّما في مدينة تعز، وفي وقت لاحق أيضًا في الحديدة، وهي مدينة ساحلية تقع على البحر الأحمر.

التفكك في حرب اليمن: ثلاث حكومات وجهات متعددة

لقد فشلت كل من مفاوضات السلام الأولى التي عُقِدت في جنيف عام 2015 برعاية الأمم المتحدة وكذلك محادثات الكويت التي جرت في العام التالي. ووفقًا لقرار الأمم المتحدة رقم 2201، تقتصر جهود إحلال السلام فقط على طرفين أساسيين – الحوثيين وحكومة هادي – وهي مقاربة لا تعكس طبيعة ما يجري على الأرض. السبب الرئيسي لهذا التقسيم الثنائي هو الانطباع السائد بأن الحرب تجري فقط بين الحوثيين وحكومة هادي، مع عدد من المجموعات المختلفة ذات الأهداف السياسية المتباينة تمامًا والتي تُحسب على الأخيرة (حكومة هادي). أدت الحرب إلى تفاقم الانقسام الذي كان موجودًا بالفعل في البلاد قبل عام 2015، فأدى إلى تعزيز السلطات المحلية والهياكل الحكومية، وكل ذلك سيجعل من العودة إلى الهياكل المركزية التي كانت سائدة في 2011 أمراً مستحيلاً. 

المناطق الواقعة تحت حكم الحوثيين

عادة ما تنقسم اليمن في قاموس مصطلحات الحرب للتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات إلى مناطق “محررة” ومناطق “غير محررة”. يحكم الحوثيون المناطق “غير المحررة” بحكم الأمر الواقع، ويعني أنهم الحاكم الفعلي لمعظم السكان اليمنيين، حيث تمكنوا أيضًا من تعزيز سلطتهم على المرتفعات الشمالية المكتظة بالسكان. ومنذ استيلائهم على السلطة، تمكن الحوثيون من السيطرة على المؤسسات والهياكل السياسية القائمة وتدعيمها بهياكل حكومية إضافية. في أغسطس 2016، أنشأوا حكومة موازية تتكون من 27 وزيرا سُميت بـ “حكومة الإنقاذ الوطني”، فضلا عن تشكيل مجلس وطني ضم 551 عضوا ومجلس رئاسي من خمسة أعضاء. استمر التحالف الهش مع صالح حتى أواخر عام 2017، وقُتِل علي عبدالله صالح على يد الحوثيين في 4 ديسمبر 2017 عقب إعلانه عن إنهاء التحالف معهم. لا يزال بعضٌ من أعضاء حزب صالح، حزب المؤتمر الشعبي العام، جزءًا من المؤسسات المذكورة أعلاه والتي تؤدي وظائفاً شبيهة بالدولة (statelike institutions). بينما يقف آخرون من بقية حزب صالح، وخصوصاً أولئك الذين ينتمون إلى مناطق جنوب ووسط اليمن، إلى جانب هادي. ووفقًا للتقديرات، فإن حوالي 100.000 شخص يقاتلون حاليًا إلى في صفوف الحوثيين.

المجلس الانتقالي الجنوبي

تشمل المناطق “المحررة” جميع مناطق جنوب اليمن ومعظم مناطق الوسط، مثل أجزاء من تهامة وتعز ومأرب. غالبًا ما تُوصف المناطق “المحررة” في وسائل الإعلام الدولية والدوائر الدبلوماسية على أنها كتلة مناهضة للحوثيين، على أنه غالبًا ما تم تجاهل الأهداف والمصالح المختلفة جذريًا للأطراف الفاعلة المتعددة المشاركة في الصراع.

بعد تحرير عدن، اعتمد الرئيس هادي بشكل خاص على دعم اليمنيين الجنوبيين، وتعيينهم إما في المناصب العامة العليا أو توزيعهم كجنود على جبهات القتال. ولأن مساعي جنوب اليمن نحو تحقيق الاستقلال كانت مدعومة أيضًا من قبل العديد من السياسيين والمحافظين اللذين تم تعيينهم، قام هادي بعزل هؤلاء الوزراء والمحافظين الجنوبيين في أبريل 2017، وكان من بينهم عيدروس الزبيدي، محافظ عدن السابق. بعد احتجاجات حاشدة في أوائل مايو / أيار 2017، شرع الزبيدي في تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي مع أعضاء من الحراك الجنوبي والمقاومة الجنوبية. ويتألف المجلس الانتقالي الجنوبي حالياً من “هيئة رئاسة” عليا تضم 24 شخصًا، و”جمعية وطنية” قوامها 303 عضواً، وإدارات مختلفة – وكلها تعمل على وضع دستور لجنوب اليمن المستقل، من بين أمور أخرى – سبعة مكاتب دبلوماسية والعديد من المجالس المحلية في جميع مناطق اليمن الجنوبي على مستوى المحافظة والمديرية والحي. تهدف هذه الهياكل الشبيهة بالحكومة إلى إعداد وتيسير استقلال اليمن الجنوبي. هناك مجموعات أخرى تنتمي إلى الحراك الجنوبي ولكنها لا تتبع المجلس الانتقالي، على الرغم من أنها تشترك معه في نفس الهدف السياسي: استقلال جنوب اليمن.

إلى جانب ذلك، ينخرط معظم الجنود اليمنيين الجنوبيين النشطين في جبهات القتال إلى جانب التحالف العربي، وعادة ما تصفهم وسائل الإعلام الأوروبية بـ “القوات الموالية لهادي”. تم تأطير الميليشيات اليمنية الجنوبية المختلفة التي تشكلت – بطريقةٍ عشوائيةٍ – كمقاومة جنوبية لمواجهة تمدد الحوثيين في عام 2015 في مؤسسات عسكرية وأمنية وتدريبها بمساعدة من دولة الإمارات العربية المتحدة. حتى الآن، هناك أكثر من 70.000 يمني جنوبي في قوام قوات الحزام الأمني ​​وقوات النخبة الشبوانية وقوات النخبة الحضرمية. هذه القوات شبه العسكرية هي تحت قيادة التحالف العربي وتؤدي مهام قوات الشرطة والأمن، من بين أدوار أخرى، وقد ساهموا بفعالية في طرد مقاتلي تنظيم القاعدة من جنوب اليمن منذ العام 2016. ألوية العمالقة، الخاضعة هي الأخرى لقيادة التحالف، منتشرة في الغالب على جبهات القتال، وخاصة في الحديدة. وعلى الرغم من كل ذلك، تقاتل هذه القوات تحت العلم الوطني السابق لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وتسعى من أجل استقلال جنوب اليمن، وتعتبر المجلس الانتقالي الجنوبي ممثلاً سياسيًا لها.

حكومة هادي

تتعارض مصالح المجلس الانتقالي الجنوبي تماماً مع مصالح حكومة هادي التي تصر على وحدة الجمهورية اليمنية. أُجبر الرئيس هادي على الاستقالة في أواخر عام 2014 بسبب الضغوط التي مارسها الحوثيون، حيث تم وضعه تحت الإقامة الجبرية حتى تمكن من الفرار إلى عدن في فبراير 2015. وبمجرد وصوله، تراجع عن استقالته، وأعلن مدينة عدن عاصمة مؤقتة لليمن. عندما بدأت قوات الحوثي وصالح تزحف نحو عدن، هرب إلى المملكة العربية السعودية، وهناك تلقى المساندة لمحاربة الحوثيين، وتمكن من إعادة تشكيل حكومته في المنفى. ومنذ ذلك الحين، تزاول الحكومة مهامها من العاصمة السعودية وحضورها في عدن ضئيل أو لا يكاد.

في الوقت الراهن، يُمثل حزب التجمع اليمني للإصلاح أقرب حلفاء هادي المحليين، فضلاً عن الجنرال المُقرّب علي محسن الأحمر. في أبريل 2016، عين هادي الجنرال نائباً للرئيس. كان الأحمر أهم قائد عسكري في المعارك ضد الحوثيين خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكان أيضاً أقرب حليف لصالح – منذ وصوله إلى السلطة – إلى أن أنقلب عليه وأعلن تأييده للحركة الشبابية خلال احتجاجات الربيع العربي 2011. يتمتع الأحمر بسمعة سيئة بين الحوثيين بسبب الحروب العديدة التي نشبت في صعدة. في جنوب اليمن، يُعَد مسئولاً عن ممارسات الجيش الوحشية خلال حرب 1994 والاستيلاء على مساحات شاسعة من أراضٍ اليمن الجنوبي. يحظى حزب الإصلاح بشعبية جيدة في وسط اليمن – تعز ومأرب – حيث يقاتل أتباعه ضد الحوثيين، ويُسيطر حالياً على مدينة تعز. اضطر القائد السلفي أبو العباس، الممول من دولة الإمارات العربية المتحدة والذي ينشط في تعز، إلى الانسحاب من أجزاء من المدينة في أبريل 2019. كانت هناك أيضًا وحدات عسكرية من الجيش اليمني السابق بدّلت ولائها بعد مقتل صالح من قبل الحوثيين في ديسمبر 2017 وباتت تُقاتل في صفوف الحكومة. ما يسمى بـ” حراس الجمهورية” بقيادة ابن شقيق صالح، يقاتلون حالياً إلى جانب حكومة هادي. يمكن اعتبار محافظة مأرب، حيث تتمتع القبائل المحلية وحزب الإصلاح وأعضاء المؤتمر الشعبي العام بحضور قوي إقليمًا، من مؤيدي الرئيس هادي. بالإضافة إلى ذلك، تواصل العديد من المجموعات المحلية السعي لتحقيق مزيد من الحكم الذاتي. وتجدر الإشارة، على نحوٍ خاصٍ، إلى الحركة التهامية والمقاومة التهامية، التي تنخرط في قتال الحوثيين جنبًا إلى جنب مع التحالف العربي في الحديدة، فضلاً عن الجماعات النشطة في محافظة المهرة المجاورة لعمان.

أخر برلمان يمني تم انتخابه في 27 أبريل 2003، وعدد أعضاءه في الأصل 301 عضوًا، معظمهم ينتمون إما إلى حزب المؤتمر الشعبي العام – حزب صالح وهادي – أو حزب الإصلاح. في فبراير 2015، أعلن الحوثيون عن حل هذا البرلمان، ولم تعقد أي جلسات برلمانية منذ أواخر شهر مارس 2015. حاول هادي إنعاش البرلمان عدّة مرات بالدعوة إلى عقد اجتماع لأعضائه من النواب، اللذين يتوزعون حاليًا بين الإقامة في الخارج (معظمهم)، وآخرون التحقوا بالحوثيين منذ سيطرته على العاصمة، وبعض منهم انضم إلى هيئات المجلس الانتقالي الجنوبي. في شهر أبريل 2019، صاحب اجتماع لمجلس النواب في مدينة سيئون الشرقية مظاهرات معارضة في الشوارع نظمها الحراك الجنوبي وأنصار المجلس الانتقالي، ولم يكن ممكنا انعقاده لولا الحماية التي وفرتها السعودية.

كثيراً ما يصف الدبلوماسيون ووسائل الإعلام الدولية حكومة هادي بأنها “شرعية” أو “معترف بها دولياً”. بعد تنحي صالح، تم ترشيح هادي كمرشح توافقي – أي المرشح الوحيد – للانتخابات الرئاسية لعام 2012، وكان من المفترض أن يقود البلاد خلال مرحلتها الانتقالية فقط. كان يُفترض أن تنتهي رئاسة هادي بانتخابات في 2014 عقب انتهاء جلسات مؤتمر الحوار الوطني، لكن هذه الانتخابات لم تجر قط.

الفاعلون الإقليميون والدوليون وتأثيرهم على الحرب

تقف وراء أي قوة محلية كبيرة قوة إقليمية والتي تتدخل أحيانًا بشكل كبير في الأحداث المحلية، وبالتالي أيضًا تحدد مسار الحرب في اليمن واستمرارها. تجدر الإشارة هنا إلى ثلاث دول تلعب دورًا أساسيًا في اليمن: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران. تدعم إيران في المقام الأول الحوثيين من خلال تزويدهم بالأسلحة وتقديم الاستشارة العسكرية والتخطيط الاستراتيجي. وعلى أية حالٍ، لا ينبغي اعتبار هذه العلاقة بين إيران والحوثيين مساوية لنفوذ إيران في لبنان وسوريا والعراق، إذ تحظى إيران بتأثير أقل بكثير على الحوثيين وبالتالي تأثير مباشر أقل على مجرى الأحداث في اليمن. ومع ذلك، بدأ الحوثيون في السنوات الأخيرة بتوجيه أنفسهم بشكلٍ أقوى تجاه إيران، وهو ما يمكن تفسيره من خلال الضغوط العسكرية التي يمارسها الخصم وكذلك مساعي التسييس المتعاظمة لأكبر طائفتين مسلمتين، الشيعة والسنة.

التحالف العسكري، الذي يتكون بشكل رئيسي من الدول العربية، بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة. تكمن مصلحة السعودية الأساسية في تأمين حدودها الجنوبية مع محافظة صعدة اليمنية. لقد مارست السعودية تأثيراً على الأحداث السياسية طوال التاريخ اليمني الحديث، ودعمت جهات فاعلة عديدة في أوقات مختلفة، خاصة في أوقات الحرب أو الصراع. تسعى المملكة إلى الحفاظ على نفوذها في اليمن من خلال محاربة الحوثيين وبالتالي احتواء نفوذ إيران في المنطقة، وهذا يشمل مساعيها لحماية مصالحها الجيواستراتيجية، بما في ذلك جهودها لإيجاد منفذ بحري بديل لكي تتحرر صناعتها النفطية من الاعتماد على مضيق هرمز. إحدى هذه المحاولات هي مد خطوط لأنابيب النفط تمر عبر محافظة المهرة، حيث عززت السعودية من تواجدها العسكري القوي في الأشهر الأخيرة، على الرغم من أن المهرة تقع في أقصى شرق اليمن، وكانت أبعد المناطق عن الصراع.

تهتم الإمارات العربية المتحدة بمصالحها الخاصة، مع التركيز في الغالب على جنوب اليمن، حيث تقدم الدعم المالي لبناء الهياكل السياسية والعسكرية على المستوى المؤسسي. أسباب اهتمامهم بجنوب اليمن هي، من جهة، علاقات الإمارة المتوترة مع حزب الإصلاح، وهو جزء من ائتلاف هادي، حيث تضم حكومته عناصر من الإخوان المسلمين اليمنيين غير المقبولين لدى السلطات الداخلية الإماراتية. تتماشى هذه المصالح مع مصالح العديد من اليمنيين الجنوبيين، حيث يتمتع حزب الإصلاح بسمعة سيئة في أوساطهم، ولدى الكثيرين اعتقاد بأن للحزب تأثير سلبي على التغيرات الاجتماعية والثقافية التي شهدتها المنطقة منذ التسعينات. هذه المصلحة المشتركة سهلت للإمارات الحفاظ على جنوب اليمن خاليًا من نفوذ الحوثي والإصلاح. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الإمارات العربية المتحدة وراء مصالحها الجيوستراتيجية والتجارية في جنوب اليمن، والتي ترتبط في الغالب بتوسيع وإعادة بناء الطرق التجارية والبحرية في مضيق باب المندب. يفصل مضيق باب المندب البحر الأحمر عن خليج عدن، ويُشكِّلُ واحداً من أهم المناطق لحركة الشحن الدولية. وفي هذا الصدد، يُمكن أن يلعب ميناء عدن، أحد أكبر الموانئ البحرية الطبيعية في العالم، دورًا مهمًا جدًا في المستقبل.

يتلقى التحالف العربي استشارات استراتيجية ودعمًا لوجستيًا في الغالب من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، وهم أكثر الجهات الفاعلة تأثيرًا في حرب اليمن ويتدخلون بشكل مباشر في أحداثها. وعلى الرغم من تمديد قرار وقف تصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية لمدة ستة أشهر أخرى في أواخر مارس 2019، فإن ألمانيا ما زالت متورطة في تصدير الأسلحة عبر دول ثالثة، وبالتالي فهي طرف فاعل في أزمة اليمن مثل الدول الأخرى المصدرة للأسلحة. من جانبها، حاولت روسيا، وهي واحدة من عدد من الدول التي تسعى إلى ضمان مصالح جيو- استراتيجية في محيط مضيق باب المندب، الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف اليمنية المشاركة في الصراع. في الآونة الأخيرة، طورت روسيا علاقات أوثق مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وقامت بفتح قنصلية في عدن في شهر مارس 2019.

هل تلوح في الأفق نهايةٌ للحرب؟

المحادثات التمهيدية لمفاوضات إحلال السلام التي عقدت في ستوكهولم في ديسمبر 2018، والتي جمعت بين الطرفين المتحاربين – حكومة هادي والحوثيين – لأول مرة منذ أكثر من عامين، بعثت – هذه المحادثات – ببصيص أمل في التوصل إلى اتفاق وأحياء العملية السياسية. ومع ذلك، اثارت هذه المفاوضات إشكالاً في كونها لم تجلب أي أطراف فاعلة أخرى إلى الطاولة، على الرغم من حقيقة أن هناك العديد من الأطراف المشاركة في الحرب، بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا لهادي أو الحوثي أن يكونوا ممثلين عنهم. لقد سعى المجلس الانتقالي الجنوبي للمشاركة كطرف تفاوضي ثالث، وقوبل ذلك بالرفض من قِبل حكومة هادي والحوثيين. القوى الإقليمية المشاركة مباشرة في الحرب وبالتالي الأطراف المتحاربة الفاعلة لم يتم إدراجها هي الأخرى في المحادثات. وبصرف النظر عن الذين شاركوا أو لم يشاركوا في المحادثات، من المقرر أن تفشل مفاوضات ستوكهولم، حيث لم يتم إحراز أي تقدم يُذكر بشأن النقاط المتفق عليها[2]. التصعيد الأخير في القتال والتحول المتنامي في الخطوط الأمامية للجبهات[3] يجعل من العودة إلى طاولة المفاوضات أمراً غير مرجحاً.


[1] الزيدية فرع من النسخة الشيعية للإسلام.

[2] تم الاتفاق على ما يلي: (1) انسحاب جميع القوات من مدينة الحديدة الساحلية المتنازع عليها، حيث سيتم إنشاء منطقة منزوعة السلاح تخضع لمراقبة الأمم المتحدة؛ (2) تبادل الأسرى و (3) تشكيل لجنة لمناقشة مستقبل مدينة تعز المتنازع عليها. بين 11 و 14 مايو 2019، انسحب الحوثيون من جانب واحد من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى وسلموها إلى قوات خفر السواحل المحلية، وهي خطوة استقبلتها الأمم المتحدة بشكل إيجابي. لكن المقربين من هادي يؤكدون بأن التسليم كان عبارة عن مسرحية لكون قوات خفر السواحل يُسيطر عليها الحوثيون.

[3] بدءاً من أبريل 2019 وما بعده، اشتدت حدّة المعارك بين الحوثيين والقوات الجنوبية في المنطقة الحدودية لمحافظات الضالع ولحج وأبين.

Recent Posts