كتاب محمد علي لقمان “رجال وشؤون وذكريات” متاح أونلاين

“العلم هو طريق الخلاص الوحيد، العلم الغزير، العلم الكثير الحديث هو الأساس الاقوى لتساوي الأمم وتقديرها لبعضها وعدم الاستهانة بها والتحقير من شأنها، ولكن العلم لن يكون كاملا الا فى ظل حرية وعدالة”

محمد على لقمان

 

لقد اِرتأيتُ أنه من المناسب كتابة مقدمة لكتاب والدي، وهو الكتاب الوحيد من كتاباته المنشورة باللغة الإنجليزية حتى الآن.

كتاب “رجال وشؤون وذكريات” (Men، Matters and Memories) هو عبارة عن مجموعة من المقالات/المذكرات التي كان الوالد يحرص على نشرها كل أسبوع في جريدته الناطقة باللغة الإنجليزية “The Aden Chronicle”. يعود تاريخ هذه المقالات إلى الأعوام 1960، 1961 و1962. ومن المؤسف أن مجموعة من مقالات هذه السلسلة إما أنها قد فُقِدَت تماماً أو أصبحت في حالة سيئة للغاية، هشة وبالية، بحيث يتعثر إعادة كتابتها وتجهيزها للنشر.

كان قد مر على وفاة والدي قرابة الأربعين عامًا عندما بدأ أخي ماهر محمد علي لقمان مشروع جمع وأرشفة وإعادة نشر أوراق الوالد وكتبه وصوره ومحاضراته وتسجيلاته الإذاعية. لقد تمكن بالفعل من إنقاذ جزء كبير منها، بعض الأعمال التي كانت مفقودة اضطر – في سبيل استعادتها – إلى الإعلان ودفع مكافأة مقابل ذلك.

استغرقت هذه المرحلة الأولية الكثير من الوقت والمال والجهد، ولكن وبمجرد الانتهاء منها، تواصل أخي ماهر مع الدكتور أحمد علي الهمداني، أستاذ الأدب الحديث في جامعة عدن، وعرض عليه الانضمام إلى المرحلة التالية من عملية البحث عن المواد، وإعادة ترتيب ما تم جمعه، وإعداده للطباعة والنشر. هذه المرحلة تطلبتْ أيضاً الكثير من الوقت والتكاليف والجهود المتفانية بما جعل أعمال الوالد متاحة الآن لأي شخص يرغب في الحصول على انتاجه. استغرق المشروع سنوات عديدة من العمل الدؤوب، لكنه اكتمل جزئيًا فقط لأن الكثير من أعماله السابقة لا تزال مفقودة، على أمل العثور عليها، إذا لم يكن قد تم تدميرها بالفعل.

تستعرض الكتب تفاصيل تجارب حياة الوالد في عدن وأماكن أخرى، وكذلك تصوراته وأفكاره، خلال تلك الفترة الرئيسية من تاريخ اليمن الحديث. إنها توفر مصدرًا هاماً لأحداث تلك الفترة.

غادر البريطانيون عدن في عام 1967 بعد 139 عامًا من الاحتلال وكانت تدار معظم تلك الفترة من خلال الهند البريطانية قبل أن تنتقل السيطرة في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي إلى لندن. تُغطي كتابات الوالد الفترة الممتدة من ولادته عام 1898 حتى وفاته عام 1966. لم يعش ليرى نهاية الحكم البريطاني وانتقال السلطة إلى النظام الجديد تحت قيادة العديد من الأشخاص الذين كان يعرفهم شخصيًا.

أدى تغيير الحكم في جنوب اليمن إلى حقبة جديدة ساد فيها العداء السياسي والفكري تجاه الماضي الاستعماري وإرثه. وقد رفضت الحكومة الجديدة السماح بنشر أي عمل أكاديمي أو غير ذلك من تلك الحقبة مخالفاً لتوجهاتها. وبعد سنوات طويلة مضت؛ كانت ظروف مختلفة قد تهيأت، أدت إلى أعادة الاهتمام بأعمال وأفكار رائد التنوير محمد علي لقمان ونشرها. وفي العام 2006، تم إطلاق كتاب “محمد علي لقمان المحامي: الأعمال الكاملة” في ندوة كبيرة خُصصت لهذا الغرض، وكانت تحت رعاية جامعة عدن وجهود الدكتور أحمد الهمداني، الذي قام بتنسيقه والإشراف على طباعته وقبلها كتابة مقدمة طويلة أضاءت كثير من جوانب حياة وأفكار وأعمال لقمان، مما لفت انتباه العديد من المهتمين إلى أرث لقمان الفكري.

يستحق الدكتور الهمداني الثناء على إنجازه الرائع لأنه، وحتى تاريخ نشر الكتب، لم يكن هناك سوى عدد قليل جدًا من المواد المؤرشفة حول الوالد. وبما أن العديد من الأشخاص الذين عرفوه كانوا قد تقدموا في السن، والذكريات حول تلك الحقبة تصبح أكثر ذبولا مع مرور الوقت، فقد كانت هنالك خطورة وخطر حقيقي في أن جزء مهم من تاريخ تلك الفترة الدرامية سوف يضيع، ليس أقله، جوانب من الشخصية الخاصة والمتقدة لرجل مذهل شارك بفكره ونضاله ونشاطه في كل مراحلها، وبمختلف الوسائل المتاحة، من أبسطها كتنظيم احتجاجات ضد السلطات البريطانية للمطالبة بمنح سكان عدن حقوقهم المشروعة إلى الانخراط الجاد في مشروع تنويري كبير يستند إلى أفكار ورؤى تغييرية عميقة واستراتيجية.

بدأت فكرة كتابة المذكرات ونشرها في صحيفتيه “فتاة الجزيرة” و “إيدن كرونيكل” في عام 1960 بعد عودة أخي فاروق محمد علي لقمان – رحمه الله – من الولايات المتحدة الأمريكية وحصوله على درجة الماجستير في الصحافة من جامعة كولومبيا. تولى فاروق منصب رئيس التحرير للصحيفتين، واقترح على والدي أن يبدأ بتدوين ذكرياته، باعتباره تقليد مُعتاد لأي شخص لديه تجارب كثيرة، ويرغب في تدوينها.

في هذا الوقت تقريبًا، أتيتُ إلى الحياة. ذكريات طفولتي عن أبي وعدن، في الخمسينيات والستينيات، حتى وفاته المفاجئة أثناء الحج إلى مكة عام 1966، عزيزة عليّ. كنا قريبين جدًا من بعض، وما زال التأثير الذي تركه علي قويًا حتى هذه اللحظة. لقد كانت تلك الفترة التي سبقت وفاته مليئة بالفرح والتعلم والمفاجآت. كانت رؤية الوالد تتلخص في ضرورة تعليم المرأة، وأن يشاركن مشاركة كاملة وفاعلة في العالم الأوسع، وهو أمر سابق لعصره، وأفتخر بأنه قد تحقق لاحقاً. ولقد مثل نشر كتبه وأعماله، فرصة لنا جميعًا ليس فقط لإعادة اكتشاف الأب الذي أحاطنا بالحب والرعاية، ولكن أيضا رجل الحكمة والرؤى الاستراتيجية الذي رهن نفسه في سبيل تطوير شعبه ووطنه في جميع مجالات المعرفة والتقدم.

يكتب الوالد في مذكراته عن تطوره خلال الحياة على الصعيد الشخصي، ويصف الطريقة التي أثر فيها والده عليه، جدي علي إبراهيم لقمان. كان جدي مدرسًا ومتحدثًا رائعًا. درس الفقه الإسلامي، واتقن هوايات عديدة مثل ركوب الخيل والرماية. كان ناقدًا أدبيًا يقرأ الشعر، وهو عبقري في زمنه. كان يتحدث عدة لغات، ويتحدث الإنجليزية بطلاقة. عمل مع الحكومة البريطانية خلال فترة حكمهم لعدن وتم تكريمه بلقب “خان بهادور” الذي كان من أعلى درجات التكريم التي يمنحها البريطانيون في ذلك الوقت.

تلقى الوالد أولى معارفه على يد أبيه بين 1905 و1911. لاحقاً أقنعه بفتح متجر لاستيراد وبيع الكتب. كانت هذه اللحظة بداية تعليمه الحقيقي، ومنذ هذه السن المبكرة نما لديه شغفاً كبيراً بالكتب. ولقد ساعدته قراءاته وتعلميه المكثفان في وقت لاحق من حياته عندما غادر إلى الهند لدراسة القانون، وهو أمر لم يكن بمستطاع الناس تحمله في تلك الأيام، وقبل أن يتم تقديم المنح من قبل الإدارة البريطانية في عدن. كل هذه المصادر، شكّلت أسلوبه الخاص في الكتابة، ووضعته على مسار جعل منه مفكراً يتقن عدّة لغات. في مذكراته، يُشير إلى أول قلم امتلكه وكان من نوع Golden Ink Waterman، أي كعلامة على بداية حياته ككاتب.

كان التنوير والوعي بضرورة التقدم الإنساني بالإضافة إلى أهمية التعليم في حياة الأفراد جزءاً مهماً من الإرث الذي تركه والدي لبناته الأربع وأولاده التسعة. لقد كان رجلاً عظيماً استهل رحلة طويلة في سبيل تغيير مصير أهله، وقد أصبحت التغييرات التي كان يحلم بحصولها مشروعاً وهبها جل حياته ووقته. سعى إلى غرس نفس شغفه في أبنائه وعائلته وأصدقائه ومواطني عدن من خلال صحفه. اليوم، يُعتبر محمد علي لقمان أسطورة ونموذجًا إيجابيًا للأجيال اللاحقة والأشخاص الذين أحبهم والذين أحبوه.

كانت إعادة اكتشاف أعمال وكتابات الوالد بداية رحلة طويلة لاكتشاف رجل بدأ في وقت مبكر من حياته النضال من أجل وطنه وقضاياه الكبرى. وقد كشفت الأعمال التي اهتمت بإعادة توثيق حياته وانتاجه وأنشطته المختلفة عن تاريخ مجهول ومنسي، وعن ذكريات حياة رائعة وغير عادية لرجل حلم بمستقبل تتمتع فيه عدن الحديثة بالاكتفاء الذاتي، والتغذية الجيدة، والصحة، والتعليم، والحداثة، الأمر الذي اثار إعجاب القراء والمهتمين المعاصرين.

إن امتناننا لأخي ماهر محمد علي لقمان الأصغر بين جميع إخوته – الذي مول هذا المشروع الكبير تكريماً لذكرى والدنا – لا حدود له. ولقد كانت استجابة المهاجرين اليمنين في جميع أنحاء العالم للنتيجة مدهشة، ساهمت في انتشار اسم الوالد وأعماله، وشجعت عدد من الباحثين حول العالم على إجراء المزيد من الدراسات الأكاديمية المكثفة حول حياته وأعماله.

هدى محمد علي لقمان

Download

men-matters-and-memories

Recent Posts