بناء الهويات في الرواية اليمنية المعاصرة

 

بناء الهويات في الرواية اليمنية المعاصرة

المؤلف: عبدالسلام الربيدي

دار النشر: أي بي فاو، برلين- ألمانيا

سنة النشر: 2020

هذا الكتاب عبارة عن دراسة تحليلية لثمان روايات يمنية معاصرة. تشترك هذه الروايات في عدد من السمات، أولا: كتبت هذه الروايات في المدى الزمني الممتد من 2008 إلى 2017. ثانيا: تتخذ هذه الروايات من الماضي اليمني القريب أو البعيد خلفية سردية لها. ثالثا: تركز هذه الروايات على الهويات الجمعية في اليمن. و اختيار هذه الروايات من جملة الروايات المكتوبة خلال هذه الفترة قائم على قناعة مفادها أن هذه الروايات تنطوي على مادة سردية عن بناء الهويات بدرجة أكثر من غيرها. و بصورة أكثر تخصيصا، فإننا نستطيع القول إنَّ كل واحدة من هذه الروايات الثمان تدور حول موضوعات تصف تجارب وتوجهات إنسانية لها علاقة بقضايا الهوية المتداولة في الجدل الجديد في اليمن. وعلى الرغم من أن التحليل قد انصب على هذه الثمان الروايات إلا أن الدراسة قد رجعت إلى كثير من الروايات اليمنية الأخرى لغرض الاستشهاد وتعزيز الجدل. تدور القضايا التي تتناولها الروايات الثمان بصورة رئيسية حول الأطر الهوياتية الرئيسية الثلاث: المناطق أو الأقاليم، والانتماءات الدينية أو الطائفية، و الهويات العرقية.

يعود فنُّ كتابة الرواية في اليمن إلى عشرينيات القرن الماضي عندما أصدر أحمد عبدالله السقاف ( المتوفى سنة 1950)، المنحدر من أسرة حضرمية، روايته “فتاة قاروت” في العام 1927.   و منذ ذلك الوقت، أخذت الرواية اليمنية في التطور والنمو فنيا وموضوعيا. و أسهم كتّاب مرموقون في تطوير هذا الجنس الأدبي في اليمن، ومنهم – على سبيل المثال لا الحصر- محمد علي لقمان ( المتوفى سنة 1966)، وعلي أحمد باكثير ( المتوفى سنة 1969)، ومحمد عبدالولي ( المتوفى سنة 1973)، و عبدالله سالم باوزير ( المتوفى سنة 2004) ،وزيد مطيع دماج ( المتوفى سنة 2000)، و وجدي الأهدل، وصالح باعامر، وعلي المقري، و أحمد زين، ونبيلة الزبير، وغيرهم.

نستطيع القول بإنَّ الفترة الزمنية التي أنْتِجت فيها الروايات المختارة للتحليل، 2008- 2017 تعد واحدة من الفترات الحاسمة في تاريخ اليمن الحديث. فسنوات النصف الأول من العقد الماضي؛ أي من 2005- 2010 ففيها ظهر تمرد حركة الحوثيين في الشمال وانبثاق الحراك السلمي في مناطق ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، إلى جانب حالة التململ التي شهدتها صنعاء بعد انتخابات 2006. وبذلك تعد هذه الفترة مؤسسة لانبثاق أحداث 2011 التي تمثلت في مظاهرات شعبية عارمة عُرفت بالربيع اليمني، و أجبرت الرئيس السابق علي عبدالله صالح ( المتوفى سنة 2017) على ترك السلطة. أما النصف الأول من العقد الحالي من 2011 إلى 2017 فقد شهد الثورة وما تلاها من عملية انتقالية شملت الحوار الوطني الممتد من مارس 2013 إلى يناير 2014. وقد أُجْهِضت هذه المفاوضات و دخلت البلاد في دورة الصراع المسلح الذي أفضى في نهايته إلى حرب أهلية شاملة بدأت في نهاية العام 2014 ولا زالت مستمرة.

خلال النصف الأول من هذا العقد من الزمن المكتظ بالأحداث صدرت في اليمن 88 رواية (انظر عبدالحكيم باقيس، ببلوغرافيا مرة أخرى 2010- 2016، موقع تحديث، 2 يوليه 2017). وهذا العدد يتجاوز عدد الروايات المطبوعة في البلد في السبعين السنة الأخيرة من القرن العشرين (1927- 2000) التي بلغ فيها عدد الروايات اليمنية 66 رواية. (انظر زيد الفقيه، ببلوغرافيا الرواية في اليمن، كتاب مخطوط، ص12). وكما أشرت سابقا، فإن الروايات الثمان المنتخبة للتحليل تنطوي على نقاش لمسائل تشييدات الهوية في اليمن ضمن أشكال مختلفة من الوعي بالتاريخ تختلف باختلاف الكتاب واختلاف انتماءاتهم السياسية والمناطقية والأيديولوجية.

وقد كان طرح الباحث سؤالين رئيسيين يوجهان الدراسة، وهما: لماذا يكتب هؤلاء الروائيون عن الهويات الجمعية في اليمن؟ ولماذا يعودون إلى التاريخ القريب أو البعيد لليمن؟

وللإجابة عن السؤالين استعان الباحث بنموذج نظري يستمد أدواته المفاهيمية من علم الاجتماع ) مفهوم التطبع لدى عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو) ومن النظرية التاريخية )مفهوم الوعي بالتاريخ و الصدمة النفسية) ومن النقد الأدبي ) مفهوم الحوارية الباختينية ومفهوم التبئير لدى عالم السرد الفرنسي جيرار جينيت). ومن خلال هذا النموذج المركب تأتَّى للباحث التوفر على تحليل الظاهرة المركبة التي تشكل موضوع البحث: الرواية و الهوية والتاريخ من خلال وعي مؤلف يمني في الزمن الحاضر.

في الفصل الختامي من الدراسة يتبين من التحليل أن الروايات المنتخبة للتحليل، من خلال عودتها إلى أزمنة محددة في التاريخ وتبئيرها رؤى معينة من بين الأصوات المتحاورة في السرد، تميل إلى إنتاج فضاء إنسانوي؛ الإنسان فيه هو مركز الكون السردي ومدار اهتمام المؤلف. يتشكل هذا الفضاء من خلال خصائص إنسانوية معينة، هي: الحب، والاحترام، والاعتراف، والتقدير، والاستقلالية الفكرية، والشفافية، والوعي بالبيئة، والتوجه نحو السلام. وبذلك فسرد هذه الروايات هو ردة فعل فكرية وفلسفية على واقع اليمن المتردي سياسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، وفيها اقتراح لوطن إنسانوي بديل عن الموجود. والعودة إلى التاريخ لدى هؤلاء الكتاب هو من أجل نيل “الشرعية” لدى القارئ الباحث عن الحقيقة في رواية خيالية، وفي ذلك إيهام بالحقيقة، كما أن الماضي ليس مقصودا في ذاته؛ بل هو ، في الوعي التاريخي للكاتب، مقصود من أجل الحاضر والمستقبل. والهويات الجمعية المسرودة في النصوص مستدعاة من أجل تفكيكها وإبطال فاعليتها من خلال الحوارية التي يكون الفرد فيها ذا استقلالية فكرية وعاطفية بعيدا عن السرديات الكبرى التي كرستها الأنظمة الخطابية السياسية والدينية والاجتماعية المتحكمة في البلد منذ عقود. إن الاعتراف بين المجموعات والأفراد هو المباطن الفلسفي لسرد هذه الروايات.